رئيس أرض الصومال يكشف عن الاحتياطي العسكري في أول خطاب له في البرلمان
ألقى الرئيس عبد الرحمن محمد عبد الله “سيرو” خطابه الأول أمام جلسة مشتركة للبرلمان اليوم، مقدمًا بذلك أدقّ مخططاته حتى الآن لأجندة أرض الصومال في مجالات الأمن القومي والسياسة الاقتصادية والشؤون الخارجية. وفي خطابه الذي استمر قرابة ساعتين، أعلن الرئيس تشكيل قوات الاحتياط الوطنية لأرض الصومال، واستعرض إنجازات إدارته خلال أول 100 يوم من توليها السلطة.

حضر الجلسة المشتركة أعضاء من مجلسي النواب والشيوخ، وقضاة من المحكمة العليا، وقادة أحزاب سياسية، ووزراء، وقيادات عسكرية، وقد خلت من الأجواء الاحتفالية التي ميزت الإدارات السابقة. ووصف الحاضرون الأجواء بأنها عملية، تعكس أسلوب الحكم الناشئ للرئيس عبد الرحمن سيرو: تركيز على السياسة وتخفيف من الاستعراض
قوات الاحتياط الوطنية
برز تأسيس قوات الاحتياط الوطنية في أرض الصومال كأبرز إعلان في ذلك اليوم، وهو تحول كبير في العقيدة العسكرية للجمهورية. إلا أن الرئيس لم يقدم أي تفاصيل عملياتية، تاركًا أسئلةً مفتوحة حول حجم القوة، ونموذج تجنيدها، وإطارها القانوني.
تُقدم النماذج العالمية لقوات الاحتياط مناهج متباينة: فدول مثل فنلندا وإسرائيل وسنغافورة تُبقي على خدمة الاحتياط الإلزامية بعد تدريب عسكري إلزامي، بينما تُطبّق دول أخرى، مثل الولايات المتحدة، أنظمةً قائمة على التطوع، حيث يُوازن المواطنون بين الوظائف المدنية والخدمة العسكرية بدوام جزئي. ولا يزال المسار الذي تنوي أرض الصومال اتباعه غير واضح، مع أن خبراء الأمن يُقرّون بأن لكل خيار تداعيات مختلفة تمامًا من حيث التكلفة والجاهزية والدعم الشعبي
تُمثل هذه القوة الجديدة أحد مكونات حزمة إصلاحات أمنية أوسع نطاقًا طُبقت منذ تولي الرئيس عبد الرحمن سيرو منصبه. وتشمل العناصر الأخرى تأميم الميليشيات العشائرية، والتسجيل البيومتري الشامل لإلغاء “الجنود الوهميين” من قوائم الرواتب، وتعزيز قدرات خفر السواحل – التي ادعى الرئيس أنها “تضاعفت ثلاث مرات” دون تحديد ما إذا كان هذا يشير إلى السفن أو القوى العاملة أو مخصصات التمويل
السلام في إيريجافو ودور نائب الرئيس
احتفل الرئيس بما وصفه بأنه أحد أبرز إنجازات إدارته: التوسط لإنهاء صراع عشائري استمر تسع سنوات في إيريغافو، وأسفر عن سفك دماء كبير وعدم استقرار إقليمي. وتضمنت اتفاقية السلام المعقدة نزع سلاح ميليشيات العشائر ودمجها رسميًا في القوات الوطنية.
في لحظةٍ فارقةٍ من التقدير العلني، أشاد الرئيس بالنجاح الذي حققه وفدٌ رفيع المستوى بقيادة نائب الرئيس محمد علي عبدي، ضمّ قادةً عسكريين ووزراءً وبرلمانيين وزعماءً محليين. وأشاد بالجهود الدبلوماسية لنائب الرئيس، طالبًا من المجلس تقديره بالتصفيق، وهو ما يُعدّ مثالًا نادرًا على روح الزمالة التنفيذية في المشهد السياسي التنافسي في أرض الصومال
حالة الأمة وإصلاحات الأمن
استغل الرئيس عبد الرحمن سيرو أجزاءً كبيرة من خطابه لوصف أرض الصومال بأنها خرجت من فترة اتسمت بالركود الاقتصادي والتدهور الأمني والشلل الديمقراطي الناجم عن تأخير الانتخابات والتشرذم السياسي. وأكد أن التدخلات المبكرة لإدارته قد ساهمت في استقرار الجمهورية وأرست أسس إصلاح مؤسسي شامل.
من بين الإنجازات الأمنية التي سُلِّط الضوء عليها تطبيق نظام التسجيل البيومتري في جميع أنحاء القوات المسلحة للحد من الاحتيال في كشوف المرتبات، وهو تحدٍّ قائم منذ زمن طويل، وقد أدى إلى تحويل موارد الدفاع عن الاحتياجات التشغيلية. كما أشار الرئيس إلى تطبيق نظام دفع الرواتب مباشرةً من الخزانة لأفراد الخدمة، وتوسيع نطاق برامج التدريب لأكثر من 700 ضابط – تلقى بعضهم تدريبًا متخصصًا في الخارج – والتحديثات التكنولوجية في كلٍّ من خدمات الهجرة وبروتوكولات أمن المطارات على مستوى البلاد
استراتيجية التنمية الاقتصادية
وضع الرئيس استراتيجية اقتصادية ثلاثية الأبعاد تُركز على تعزيز الإنتاج المحلي، وتنويع مصادر الدخل، والاستثمار في البنية التحتية الحيوية. وأعلن عمليًا أن سعر الكهرباء في بربرة سينخفض إلى 0.20 دولار للكيلوواط/ساعة بحلول يوليو 2025، مما يجعلها مصدر الطاقة الأقل تكلفة في البلاد، وسلط الضوء على سبعة مشاريع لبناء الطرق تهدف إلى ربط المناطق الزراعية والحيوانية بالمراكز الحضرية ومرافق الموانئ.
أفاد الرئيس بأن ميناء لوغايا قد استكمل مرحلة التقييم، وهو على أهبة الاستعداد للتوسع التجاري، مما قد يُنوّع قدرات أرض الصومال التجارية البحرية إلى ما يتجاوز بربرة. وأشرفت إدارته على إنجاز 32 بئرًا وخزانًا وشبكة لتجميع المياه لمعالجة النقص المزمن في المياه في المناطق الريفية ودعم التنمية الزراعية
لعب الاستثمار الأجنبي دورًا محوريًا في النهج الاقتصادي للإدارة. وسلط الرئيس الضوء على التزام مؤسسة فارو بتقديم 20 مليون دولار أمريكي، و22 مليون دولار أمريكي من ألمانيا، لدعم تحديث القطاع الزراعي. إضافةً إلى ذلك، خصص البنك الدولي 30 مليون دولار أمريكي لمشاريع الطاقة الشمسية في بربرة وبوراما، مما قد يُحدث نقلة نوعية في مشهد الطاقة في هاتين المدينتين الاستراتيجيتين
البرامج البيئية والاجتماعية
برزت الاستدامة البيئية في الخطاب، حيث تعهد الرئيس بزراعة ثلاثة ملايين شجرة خلال فترة ولايته، أي ما يقارب 600 ألف شجرة سنويًا. وأشار إلى أنه تم بالفعل غرس 300 ألف شتلة خلال اليوم الوطني لزراعة الأشجار، الذي يُحتفل به في 15 أبريل، مما يُشير إلى اتباع نهج مؤسسي للحفاظ على البيئة في منطقة معرضة بشكل متزايد لآثار تغير المناخ
فيما يتعلق بالتنمية الاجتماعية، أشار الرئيس إلى إعادة تأهيل 77 مركزًا صحيًا مع التركيز بشكل خاص على توسيع نطاق الرعاية الصحية للأمهات في المناطق المحرومة. وتهدف مبادرات إصلاح التعليم الجارية حاليًا إلى تعزيز بناء الهوية الوطنية، والتنمية الأخلاقية، والوعي البيئي، والإدماج الاجتماعي. وتشمل البرامج الإضافية برامج التعليم الإصلاحي المصممة للحد من العودة إلى الإجرام، وتقديم منح دراسية لأبناء أفراد الأمن الذين سقطوا في المعارك، وتحديث أنظمة الخدمة المدنية، بما في ذلك إصلاح أنظمة التقاعد
الشؤون الخارجية: الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والعلاقات الإقليمية
أولى الرئيس اهتمامًا بالغًا للمكانة الدبلوماسية المتطورة لأرض الصومال، مسلطًا الضوء على تعزيز العلاقات مع دولة الإمارات العربية المتحدة كركيزة أساسية لسياسته الخارجية. في يناير 2025، قام بزيارة رسمية إلى الإمارات، حيث أجرى محادثات مغلقة مع نائب الرئيس الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. وعاد إلى دبي في فبراير للمشاركة في القمة العالمية للحكومات، التي استضافت وفودًا من أكثر من 140 دولة.
وقال الرئيس إن هذه المشاركات رفيعة المستوى قد عززت مكانة أرض الصومال الدولية مع ضمان الالتزامات بمساعدات التنمية والاستثمار في البنية التحتية الصحية والمؤسسات التعليمية وموارد المياه وشبكات النقل
سلط الرئيس الضوء بشكل خاص على تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، مشيرًا إلى الجهود المبذولة لتشجيع الاهتمام الأمريكي بأرض الصومال. كما أشار إلى المساعدات الأمنية ومبادرات التعاون المتنوعة التي قدمتها المملكة المتحدة، مما يُظهر توسع شراكات أرض الصومال الدولية لتتجاوز حدودها الإقليمية
غابت عن تصريحات الرئيس أي إشارة إلى مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا في الأول من يناير/كانون الثاني 2024، والتي كانت تمنح إثيوبيا حق الوصول إلى ميناء بربرة وتنص على اعتراف دبلوماسي رسمي. ومنذ ذلك الحين، اتجهت إثيوبيا نحو التعاون مع الصومال من خلال محادثات بوساطة تركية، مع إعطاء الأولوية لدورها كدولة مساهمة بقوات في بعثات حفظ السلام الصومالية للحفاظ على نفوذها الإقليمي في مواجهة الطموحات المصرية المتزايدة. وتُوِّج هذا التغيير الدبلوماسي بإعلان أنقرة الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2024 – وهو اتفاق يؤكد على احترام السيادة والسلامة الإقليمية – مما يحرم إثيوبيا فعليًا من الوصول المنشود إلى البحر الأحمر عبر أرض الصومال الذي وعدت به مذكرة التفاهم الأصلية


أدت تداعيات مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال إلى تدهور ملحوظ في العلاقات مع جيبوتي ، التي أغلقت البعثة الدبلوماسية لأرض الصومال بذريعة عدم سداد فواتير الخدمات العامة، وهي خطوة فُسِّرت على نطاق واسع بأنها ذات دوافع سياسية. واتهمت أرض الصومال لاحقًا جيبوتي بتقديم دعم ضمني للعناصر الانفصالية في منطقة أودال
رغم هذه التحديات، أكد الرئيس أن “حكومة أرض الصومال ستعزز العلاقة التاريخية القائمة على حسن الجوار والأخوة والتعاون مع إثيوبيا وجيبوتي”. وأعلن صراحةً أن إدارته “تخطط لزيارات إلى هذين البلدين”، في إشارة إلى مبادرة دبلوماسية لتحسين العلاقات الإقليمية
العلاقات والسيادة الصومالية
في كلمته، أكد الرئيس سيرو موقف أرض الصومال من الاستفزازات الصومالية المتكررة، وأبرزها زيارة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري غير المصرح بها إلى لاس عانود في 16 أبريل 2025. وقد أدانت أرض الصومال الزيارة، التي تضمنت اجتماعات مع قادة المجلس الأعلى للأمن – خاتومو ونقل السجناء من لاس عانود إلى مقديشو لعرض مسرحي أمام وسائل الإعلام الصومالية، باعتبارها انتهاكًا صارخًا لسيادة أرض الصومال.
أكد الرئيس إلغاء المحادثات الثنائية مع الصومال عقب زيارة بري، واصفًا إياها بأنها خطوة مزعزعة للاستقرار تهدف إلى تقويض السلام الذي تحقق بشق الأنفس في منطقة سول. وأكدت الحكومة أنه لم تُجرَ أي مفاوضات بشأن إطلاق سراح السجناء، متهمةً الصومال باستغلال الحادث لأغراض سياسية.
القيم الديمقراطية والرقابة البرلمانية
اختتم الرئيس خطابه بالتأكيد على التزام إدارته بالحوكمة الديمقراطية، وسلامة المؤسسات، والنظام الدستوري. وشدّد على أهمية سيادة القانون والوحدة الوطنية في مسيرة تنمية أرض الصومال، وأشاد بأهمية دور البرلمان الرقابي في ضمان حوكمة مسؤولة.
في حين استجاب النواب الموالون للحكومة للخطاب بعبارات الدعم، أثار ممثلو المعارضة مخاوف جوهرية بشأن عدم وضوح الجداول الزمنية التشريعية، وشفافية الميزانية، والإجراءات الدستورية اللازمة لتنفيذ المبادرات الشاملة المعلن عنها في الخطاب. وشددوا بشكل خاص على الشرط الدستوري لموافقة البرلمان على الالتزامات الأمنية والمالية الرئيسية، بما في ذلك إنشاء قوات الاحتياط الوطنية.
وبينما تمر أرض الصومال بهذه الفترة الحرجة من التطور المؤسسي، فمن المرجح أن تحدد العلاقة بين الرؤية التنفيذية والرقابة التشريعية التنفيذ العملي للأجندة الطموحة الموضحة في الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس.
You must be logged in to post a comment.